دعا المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بإعادة النظر بأسلوب وضع وتنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية في مصر بالاستفادة من تجربة جنوب أفريقيا بعد ازمة كرونا.
واكد المركز في تقرير اصدرة اليوم الاربعاء في اطارسلسلة تقارير راي في ازمة والتي تركزعلى تناول تفصيلى لمجموعة من محركات التغيير، أو القضايا التي يتوقع إذا تم تداولها بالشكل السليم أن تحدث طفرات تنموية كبيرة للاقتصاد المصرى، وقد تكون هذه القضايا تم تناولها مسبقا إلا أنه لم يتم تبنيها بالشكل المطلوب، وبالتالي تحتاج إلى مراجعة، أو قضايا لم يتم التطرق إليها بالأساس رغم أهميتها.
وأشار التقرير إلى أن استراتيجيات التنمية الصناعية تستخدم من قبل مختلف الدول في العالم بهدف إحداث تغير هيكلي مستمر بما يحقق أفضل استخدام للموارد يستجيب للتطورات المحلية والعالمية ويتحقق من خلالها طفرات تنموية للوصول إلى الهدف الدائم “التنمية المستدامة”، كما أنها تؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية من خلال الترابط بينها.
وأكد التقرير أن مصر قامت بوضع العديد من استراتيجيات التنمية الصناعية منذ ستينيات القرن العشرين استهدفت تحقيق التصنيع بالأساس (بمعنى إحداث تحول هيكلي نحو الصناعة التحويلية)، إلا أن الغالبية العظمي من تلك الاستراتيجيات المتعاقبة لم توضع على أسس سليمة، فكانت في أغلبها تتسم بالعمومية الشديدة، وبالتالي يتم تنفيذ مجموعة من الإجراءات المتفرقة، بالإضافة إلى عدم الاستمرارية في تنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية حتى الانتهاء من تحقيق أهدافها، حيث يتم البدء من نقطة الصفر مع تغيير شخص الوزير المختص، وهو ما نتج عنه عدم قدرة مصر على إحداث طفرة حقيقية في التنمية الصناعية بالدخول في المراحل الأعلى من التصنيع، ليستقر نصيب الصناعة التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي ما بين 15 – 17% منذ ثمانينيات القرن العشرين مع ثبات هيكلها لتتركز الصناعة التحويلية في الصناعات الاستهلاكية والصناعات الوسيطة.
وشدد التقرير على وجود حاجة ماسة لمراجعة أسلوب وضع وتنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية في مصر؛ حيث إن الاستمرار في الممارسات السابقة لن يسفر عن نتيجة مختلفة، ناهيك عن عدم القدرة على مواجهة تحديات الدخول في الثورة الصناعية الرابعة، والاتجاهات العالمية للاعتماد على الخدمات مرتفعة القيمة المضافة.
واستعرض التقرير استراتيجية التنمية الصناعية بجنوب أفريقيا، وأهم الأسس التي قامت عليها، والتي يرتبط نجاح تنفيذها بوجود مجموعة من الأسس التنفيذية، وهو ما يميز هذه الاستراتيجية، وهى: الديناميكية، والتناول الشامل حيث يتم تنفيذ بعض البرامج على المستوى الكلى
وليس وزارة أو جهة بعينها، كما تتسم أيضا بالتكامل بين محاورها مع السياسات الحكومية الأخرى، والمعلومات حيث يتم بناء القرارات على معلومات دقيقة ومحدثة، والأطر الداعمة خاصة المؤسسية والتمويلية، وخطط التنفيذ “smart” التي تتسم بالتحديد والواقعية وقابلية القياس والتقييم وتحدد جهات التنفيذ، كما أنها محددة زمنيا.
وأشار التقرير إلى المحاور العامة لاستراتيجية التنمية الصناعية في مصر وبرامجها التنفيذية، لافتا إلى أن آخر استراتيجية للتنمية الصناعية معلنة من قبل وزارة التجارة والصناعة تم إطلاقها عام 2016 تحت عنوان “استراتيجية وزارة التجارة والصناعة لتعزيز التنمية الصناعية والتجارة الخارجية 2016-2020″، ولكن نظرا لعدم وضوح الموقف التنفيذي لتلك الاستراتيجية فقد تم التركيز على البرامج التي جاءت في الخطة السنوية للعام 2020/2021 على اعتبار أنها تعكس ما يتم تنفيذه على أرض الواقع.
ورصد التقرير أوجه القصور في استراتيجية التنمية الصناعية المصرية، بداية من وجود بعض الاختلافات بين الخطة الخمسية المتوسطة المدى للتنمية المستدامة، والخطة السنوية الصادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية التي يفترض أن تكون خطة تنفيذية سنوية لما ورد في الخطة الخمسية، كما تضمنت الأخيرة بعض العناصر التي لم يرد ذكرها في الخطة السنوية، فضلا عن اختلاف مستوى التفصيل الوارد في كل محور من المحاور ما بين العمومية الشديدة وغياب أي مؤشرات أداء في بعض المحاور في مقابل وجود مؤشرات كمية محددة في محاور أخرى، وهو ما يصعب معه تحديد المحاور الفعلية للاستراتيجية، أو متابعة التطور في البرامج التنفيذية، وهو ما يعكس في النهاية وجود خلل في الأسس التي تقوم عليها استراتيجية التنمية الصناعية في مصر.
وقال التقرير أنه على النقيض من استراتيجية التنمية الصناعية في جنوب أفريقيا التي تتمتع بجميع الأسس التنفيذية اللازمة لنجاحها والسابق ذكرها، تعانى استراتيجية التنمية الصناعية في مصر من شبه الغياب التام لجميع تلك الأسس التنفيذية، حيث لا تتمتع بالديناميكية المطلوبة وهو ما يرتبط بغياب المعايير والأسس العامة التي تضمن المراجعة المستمرة للخطط والبرامج التنفيذية في ضوء التطورات المحلية والعالمية، كما تفتقر إلى التناول الشامل، ولا يوجد تكامل أو ترابط بين المحاور المختلفة للاستراتيجية حيث يتم التعامل معها كجزر منعزلة، كما لا يوجد تكامل بين استراتيجية التنمية الصناعية وباقى استراتيجيات التنمية التي تتبناها الحكومة خاصة ما يخص التعليم الفني والتدريب المهنى والبحث العلمى واستراتيجية التنمية الزراعية والمعدنية، وخطط الدولة الخاصة بالطرق والبنية التحتية وغيرها من الجوانب.
وأضاف التقرير، أنه بخلاف التحديات المزمنة التي تعاني منها الصناعة المصرية، ليس واضحا إلى أي مدى تعتمد الاستراتيجية على المعلومات الدقيقة عن عناصر المنظومة الصناعية المختلفة ولاسيما في ظل غياب مؤشرات الأداء القابلة للقياس عن العديد من البرامج.
وفيم يتعلق بالأطر الداعمة، فعلى جانب الإطار المؤسسى هناك جهود محدودة لتطويره تتلخص في معظمها في جهود الميكنة وتقليص الوقت اللازم لإتمام الإجراءات بدون إصلاحات مؤسسية، مع عدم وجود قدر كاف من التنسيق سواء بين الهيئات التابعة لوزارة التجارة والصناعة، أو بين وزارة الصناعة والوزارات والجهات الأخرى، وعلى جانب الإطار التمويلي فهو تمويل عام غير مرتبط بالقطاعات المستهدفة، مع غياب الشفافية فيما يتعلق بمدة توافر التمويل وشروطه، وغياب متابعة فعاليته، وضعف وعدم استمرارية بعض البرامج مثل برنامج رد أعباء الصادرات.
وعلى جانب الخطط التنفيذية، أشار التقرير إلى أنه رغم وجود خطط عمل سنوية، إلا أن هناك اختلاف كبير بين البرامج التنفيذية فيما يتعلق بوجود مستهدفات محددة وقابلة للقياس، ومدى واقعيتها ولا يحدد أي منها جهة التنفيذ.
وحدد التقرير مجموعة من الإجراءات المطلوب تنفيذها للارتقاء باستراتيجية التنمية الصناعية وتتضمن: تبني المبادئ التي تحكم أساليب وضع استراتيجية التنمية الصناعية في جنوب إفريقيا، وعدم استخدام الأدوات الترويجية للأهداف الإعلامية ولكن تكريسها لدفع الفاعلين الاقتصاديين ((Economic agents للتعرف على السياسات والحوافز التي تتبناها الدولة في تنفيذ برامجها المختلفة، بالإضافة إلى التواصل الفعال مع القطاع الخاص بمعنى الاستماع للمشاكل وتبني الحلول بشكل متكامل لأنه هو المسؤول الأساسي عن تنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية وكذلك عن الوصول إلى مستهدفات التشغيل المطلوبة.
كما أوصى التقرير بالتعامل مع التمويل بشكله السليم كأداة يتم استخدامها لتنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية وليس كمُحدد لهذه الاستراتيجية أو مُتدخل في مستهدفاتها، وهذا يستدعي مراجعة كاملة لدور وزارة المالية حاليا، بالإضافة إلى التخلي عن سياسة إطفاء الحرائق (حل المشاكل جزئيا) والتعامل مع جذور هذه المشاكل بشكل متكامل مثل مشكلة توفير الأرض والبنية التحتية، بجانب تحقيق الترابط بين أجهزة الدولة المختلفة مؤسسيا حتى يتم تنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية بشكل سليم.
وطالب التقرير الذي اشرفت علية الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفبذي وعميد البحوث بالمركز بالتفرقة بين الرؤية المستقبلية للاقتصاد المصري ودور الصناعة فيها واستراتيجيات التنمية الصناعية التي يتم اتباعها لتحقيق هذه الرؤية، والتي تتسم بقدر من الاستدامة، وما بين السياسات والبرامج التنفيذية والتي يتم مراجعتها بشكل سنوي وتعديلها بما يتناسب مع التغيرات المحلية والعالمية، بجانب متابعة تنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية ليس فقط من قِبل من يتولى وضعها وتنفيذها ولكن من خلال المجتمع الصناعي أيضا والذي يُعد نبض هذا القطاع على أرض الواقع.
[ad_1]