أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الثلاثاء، تقريرا حول منظومة رد أعباء الصادرات، وهو العدد الأول ضمن سلسلة جديدة من تقارير “رأى في أزمة”، والمعنية بالأساس بطرح محاور العمل الاستراتيجية لمرحلة ما بعد الكورونا على صعيد الاقتصاد المصرى، أخذا في الحسبان الوضع الاقتصادى العالمى الجديد الذى فرضته الأزمة.
وأشار التقرير إلى أن منظومة رد أعباء الصادرات تعد أهم محركات التغيير لعدة أسباب تتمثل في قيام كافة دول العالم المتقدم والنامى بمساندة صادراتها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر باستخدام مختلف الأدوات منها الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الائتمانية وتوفير أراضى مرفقة بأسعار رمزية وغيرها، وتكتسب هذه المساندة أهمية خاصة في مصر خاصة وأنها الأداة الوحيدة لتنفيذ أهداف السياسة الصناعية، مما يستدعى النظر إليه على أنه دعما استثماريا وليس استهلاكيا خاصة وأن معدل العائد على كل جنيه مرتفع جدا يعادل 1:10 في المتوسط في صورة قيمة تصديرية تختلف من قطاع لآخر.
كما يعد هذا الدعم تعويضا للمصدرين عن ضعف وضع مصر التنافسى وتردى بيئة الأعمال وارتفاع تكلفة المعاملات المرتبطة بالتصدير نتيجة تعقد الإجراءات التصديرية، وتعدد القرارات وتخبطها وتفاوت تفسيرها بين الجهات المختلفة وضعف التنسيق بينها، لذ فاستمرار هذا الضعف التنافسى لمصر يعد مبررا لاستمرار الحاجة لهذا البرنامج.
وأوضح التقرير أن تطبيق البرنامج منذ بدايته عام 2002 أدى إلى زيادة الصادرات المصرية غير البترولية، وبالتالي للمساندة دور فعال في زيادة الصادرات بالإضافة إلى عوامل أخرى منها انخفاض قيمة العملة وتفعيل الاتفاقيات التجارية التفضيلية، وتزيد أهمية برامج مساندة الصادرات بعد جائحة كورونا وما نتج عنها من تباطؤ النشاط الاقتصادى العالمى وانخفاض الإنتاج، وبالتالي متوقع زيادة حدة المنافسة بين الدول لزيادة حصتها السوقية حتى لو حساب حصص الدول الأخرى، بجانب تعثر العديد من الشركات المصدرة نتيجة الجائحة.
ورصد التقرير تطور منظومة رد أعباء الصادرات وطبيعة المنظومة المطبقة والتغييرات التي طرأت على البرنامج عام 2019، حيث قدر المتوسط السنوي لمخصصات المساندة منذ بداية تطبيق البرنامج بحوالي 330 مليون دولار، وجاءت أعلى قيمة لها في 2008/2009 بنحو 756 مليون دولار، مشيرا إلى تراجع قيمة المخصصات بعد الأزمة المالية العالمية وحتى عام 2018/2019، ولكن بصفة عامة تعد تلك المخصصات متدنية خاصة إذا ما قورنت بمستهدفات البرنامج، وكونه الأداء الوحيدة المستخدمة في تحقيق أهداف السياسات الصناعية، بالإضافة إلى التأثير الإيجابى لهذه المساندة على زيادة الصادرات المصرية.
وأكد التقرير أنه رغم التأثير الإيجابى للبرنامج منذ بدأ تطبيقه، على زيادة قيمة الصادرات غير البترولية، إلى أنه يعانى قصورا في تصميمه، نتج عنها عدم تحقق الديناميكية المطلوبة من حيث تنوع الأسواق أو المنتجات وتوافقهم مع اتجاهات الطلب العالمى، فضلا عن استهداف زيادة القيمة
المضافة للصادرات المصرية وتوسيع قاعدة المصدرين، فغياب أي حافز للدخول في أسواق جديدة، أو لدفع المنشآت لتطوير منتجاتها عن البرنامج، ترتب عليه جمود التوزيع الجغرافى للصادرات المصرية وهيكلها التكنولوجى، حيث مازالت تستحوذ الدول العربية والأوروبية على ثلث الصادرات المصرية، وأيضا تتركز الصادرات في المنتجات منخفضة/ متوسطة المكون التكنولوجى، وبالتالي استمرار فجوة كبيرة بين هيكل الصادرات المصرية وهيكل الصادرات العالمية، كما أن البرنامج لم يحقق أحد أهدافه الأساسية وهى توسيع قاعدة المصدرين والتنوع في المنتجات، حيث يستفيد منه مجموعة محدودة من كبار المصدرين لعدد محدود من المنتجات.
وأشار التقرير إلى مجموعة من المشكلات المرتبطة بتصميم البرنامج بجانب مشاكل مؤسسية ومالية تتمثل في ضعف الإطار المؤسسى المنظم لها سواء على مستوى إدارة البرنامج داخل وزارة الصناعة أو على مستوى العلاقة التنظيمية بين الوزارات المرتبطة بها تمويليا وتنفيذيا وعلى رأسها وزارة المالية، وتفاقم هذا الضعف المؤسسى في ظل أزمة كورونا حيث حدثت تغيرات عديدة سواء في قيمة المخصصات أو شروط الدفع وآخرها مبادرة السداد الفوري لـ85% من المستحقات التصديرية والتي رصد التقرير عددا من أوجه القصور المرتبطة بالمبادرة سواء من حيث فلسفتها أو من الناحية التنفيذية.
وأشار التقرير إلى مجموعة من المقترحات لتطوير المنظومة بما يعظم الاستفادة منها، وتقوم فلسفة هذه المقترحات على ثلاثة عناصر أساسية، أولها ما تستدعيه المرحلة الحالية من سرعة التجاوب مع متطلبات المصدرين في ظل المنافسة الشديدة على أسواق التصدير المحدودة مما يتطلب آلية سهلة لتنظيم العلاقة بين وزارة المالية والمصدرين بما يضمن سرعة سداد مستحقاتهم، وثانيا الحاجة إلى تصميم برنامج تفصيلى لرد الأعباء على مدى أطول يرتبط باستراتيجية تفصيلية للتنمية الصناعية وفى إطار مؤسسى سليم لتنفيذه على غرار تجارب الدول الأخرى التي تفوقت في سياستها الصناعية مثل جنوب أفريقيا أو تفوقت بشكل عام في التصدير مثل الصين وتركيا وبنجلاديش وفيتنام، وثالثا الحاجة لضبط العلاقة المؤسسية بين وزارتى المالية كجهة تمويل ووزارة الصناعة بوصفها الأب الشرعى للبرنامج ووضعها في إطارها الصحيح.
وتقوم المقترحات على مبادئ أساسية تتمثل في أنه لا يمكن تحميل برنامج رد الأعباء تحقيق كافة أهداف السياسة الصناعية، وضرورة تصميم البرنامج في ضوء استراتيجية واضحة للتنمية الصناعية، والنظر إلى رد أعباء الصادرات باعتباره دعما استثماريا وليس استهلاكيا وبالتالي ليس عبئا على ميزانية الدولة،
ويجب تصميمه على أساس أنه استثمار من الدولة يجب أن يحقق العائد الكامل له، والذى سيترجم في زيادة الصادرات وتنوعها، بالإضافة إلى أن استرداد المصدرين لمستحقاتهم ضمانة لاستمرارهم في العملية التصديرية، كما أن التخارج من البرنامج يرتبط بالقضاء على المعوقات الأساسية التي كانت سببا في تصميمه، وبالتالي استمراره مرتبطا باستكمال برامج الإصلاح الهيكلى والمؤسسى التي تخفف بشكل مباشر من أعباء المستثمرين بشكل عام والمصدرين بشكل خاص، وأخيرا فإن تحسين الإطار المؤسسى المرتبط بمنظومة رد أعباء الصادرات لا يقل أهمية عن تطوير مكونات البرنامج لأنه الضامن الأساسى لكفاءة التنفيذ.
وتضمنت المقترحات مقترحين أساسيين، الأول: يتمثل في تطبيق برنامج مبسط لرد أعباء الصادرات لمدة عامين يقوم على تقديم المساندة الأساسية بنفس نسب المكون المحلى المستقرة لدى المصدرين وفقا لما جاء في برنامج 2016، بالإضافة إلى برنامج الشحن الجوى، ومراجعة مبادرة 85% بما يضمن تلافى أوجه القصور التي ذكرها التقرير بشكل تفصيلى، وتوفير استحقاقات المصدرين شهريا، ويطبق لمدة عام أو عامين نظرا للظروف الاستثنائية التي فرضتها الأزمة.
ويتضمن البرنامج المقترح تحديد حصة محددة لكل قطاع من الموازنة المقررة للبرنامج، بناء على نصيب كل قطاع مستفيد منه من إجمالي الصادرات، مع إضافة 10% لتحفيز المصدرين على التوسع في صادراتهم، وفى حالة وضع مستهدفات قطاعية لابد أن تكون واقعية ومدروسة جيدا حتى يمكن تحقيقها، مع ضرورة ميكنة إجراءات العمل داخل صندوق تنمية الصادرات لضمان سرعة الصرف وكفاءته، وتقييم البرنامج المبسط كل 6 أشهر لتطويره والتغلب على معوقات تنفيذه.
ويتمثل المقترح الثانى للتقرير في تصميم برنامج جديد تفصيلى لرد أعباء الصادرات، يرتكز على وضع استراتيجية تفصيلية للتنمية الصناعية يكون البرنامج هو أحد أدواتها، وهو ما يحقق أربعة أهداف تتمثل في: أولا وجود وقت كافى لتحديد طريقة حساب القيمة المضافة التى يقوم عليها البرنامج بدلا من الآلية شديدة التعقيد التي تم وضعها في برنامج 2019، وثانيا وجود مؤشرات أداء ومستهدفات كمية ونوعية محددة يمكن من خلالها تقييم البرنامج على المستويين الكلى والقطاعى، وثالثا تحرير البرنامج من أهداف التنمية الصناعية التي يمكن تحقيقها بشكل أكثر فعالية من خلال برامج أخرى، ورابعا الوصول لآلية لاستدامة البرنامج ماليا وآلية للتخارج منه مع تحسين بيئة الأعمال المرتبطة بالتصدير.
وشدد التقرير على أن تطبيق هذا البرنامج الجديد يشترط الوضوح التام وسهولة إجراءات تنفيذ كل من مكوناته ودور الجهات المنوط بها عملية التنفيذ، ووجود مستهدفات كمية ونوعية للبرامج وربطها بحجم تمويل البرنامج مع تحديد لمصدر التمويل بعيدا عن السيطرة المباشرة لوزارة المالية على عملية صرف المستحقات، واقترح التقرير في هذا الصدد وجود دور حقيقى لبنك تنمية الصادرات في تمويل عمليات التصدير، ووضع البرنامج من ضمن موازنة برامج وزارة الصناعة التي تحصل بمقتضاها على التمويل من وزارة المالية بشكل سنوي كما هو الحال في الدول الأخرى.
كما أكد التقرير على ضرورة استهداف تنويع التوزيع الجغرافى للصادرات المصرية وفقا للقطاع خاصة إلى القارة الأفريقية التي تعد سوقا طبيعية للمنتجات المصرية ولكن تسيطر عليه حاليا الصين والدول الأوروبية، والعمل على توسيع قاعدة المصدرين من خلال تشجيع صغار المصدرين وإعطائهم مساندة إضافية شاملة تميزهم في إطار برنامج دعم المعارض، وتبنى أسلوب التعاقد من الباطن لتحقيق الترابط بين كبار وصغار المصدرين، وأخيرا تطوير جذرى للإطار المؤسسى الذى يحكم البرنامج شامل التحول الرقمى لمنظومة رد أعباء الصادرات.
[ad_1]